🇸🇦 من الرياض إلى الواقع: لماذا وكيف تُحدد المملكة العربية السعودية مستقبل الاقتصاد الرقمي العالمي
Mike Cowles, CEO, Tradeshift
كيف أعادت إقامتي في الرياض صياغة وجهة نظري حول مستقبل الاقتصاد الرقمي
عندما وصلتُ إلى الرياض في يناير ٢٠٢٥، توقعتُ أن أجد بلدًا يمر بمرحلة انتقالية، أمةً ذات رؤية جريئة، تعمل على تحديث اقتصادها. لكن ما وجدتُه فاق التوقعات من حيث النطاق والتنفيذ.
منذ محادثاتي الأولى في المدينة، مع مسؤولين حكوميين سابقين وقادة من شركات التكنولوجيا المبتكرة وبعض أبرز المؤسسات المالية في المملكة، اتضح لي أن المملكة العربية السعودية تتقدم بزخم كبير.
بعد أن أمضيتُ أكثر من ٢٥ عامًا في العمل بمجال تقاطع التكنولوجيا والتمويل وسلاسل التوريد العالمية، شهدتُ جهودًا للتحول في العديد من المناطق، ولكن ما يتكشف في المملكة العربية السعودية اليوم هو أمر مميز، إنه استراتيجي وواسع الموارد ويسير بخطى متسارعة.
لقد أدهشني الحماس والرغبة في التقدم الاقتصادي والتكنولوجي. هناك تركيز ووضوح في الهدف يبرزان هنا، ويرتكز الكثير منه على تطلعات رؤية ٢٠٣٠.
🔭 أمة تعيد صياغة قواعد اللعبة الرقمية
لا تقتصر المملكة العربية السعودية على التحديث من خلال الأدوات الرقمية فحسب، بل تُعيد النظر في هيكل اقتصادها لمواكبة العصر الرقمي.
تُمثل استراتيجية الحكومة الرقمية ٢٠٢٣–٢٠٣٠ أكثر من مجرد سياسة، إنها نهج شامل للحكومة والاقتصاد لدمج التكنولوجيا في الخدمات العامة وأنظمة الأعمال وتجربة المواطن. يُعدّ الوصول إلى قائمة أفضل ١٠ دول في مجال الحكومة الرقمية بحلول عام ٢٠٣٠ هدفًا طموحًا، لكن ما يُثير الإعجاب حقًا هو الالتزام بالتنفيذ.
بفضل ستة ركائز مُحددة للتحول الرقمي ومؤشرات أداء رئيسية قابلة للقياس وشبكة شراكات سريعة النمو، تُرسي المملكة أسس اقتصاد قائم على التكنولوجيا ومُصمم ليكون مرنًا وجاهزًا للمستقبل.
من مشاريع الجيل القادم الحضرية مثل نيوم إلى الخدمات العامة الرقمية، تعمل المملكة العربية السعودية بنشاط على بناء منظومة ابتكار، وليس مجرد بنية تحتية.
💸 ريادة عالمية في مجال الاستثمار التكنولوجي
يُقابل هذا الطموح باستثمارات، ففي مؤتمر LEAP ٢٠٢٥، أعلنت المملكة عن استثمارات بقيمة ١٤٫٩ مليار دولار أمريكي تُركز على التكنولوجيا وتشمل الذكاء الاصطناعي والبنية التحتية السحابية والخدمات الرقمية.
بالإضافة إلى ذلك، تشمل الاستثمارات البارزة الأخرى ما يلي:
- أعلنت أمازون ويب سيرفيسز (AWS) عن استثمارات تزيد عن ٥ مليارات دولار أمريكي لإنشاء “منطقة للذكاء الاصطناعي” ومراكز بيانات متقدمة في المملكة العربية السعودية، مما يُمكّن الابتكار المحلي وتبني التقنيات الحديثة.
- خصصت جوجل كلاود ١٠ مليارات دولار أمريكي لبناء مركز إقليمي للذكاء الاصطناعي وبنية تحتية سحابية، مما يعزز ريادة المملكة في الصناعات القائمة على البيانات.
- تعهدت أوراكل (Oracle) بتخصيص ١٤ مليار دولار أمريكي على مدى العقد المقبل لتوسيع خدمات الحوسبة السحابية والذكاء الاصطناعي في المملكة العربية السعودية.
هذه التزامات جوهرية، والأهم من ذلك، أنها تبدو مُستهدفة بدقة وتُركز على القدرات التي ستُمكّن التنافسية الرقمية على المدى الطويل.
وبصفتي رئيسًا تنفيذيًا شهد العديد من الدول وهي تسعى إلى تجاوز العوائق التقليدية، من المُشجع أن أشهد المملكة العربية السعودية تتخذ خطوات فعّالة لتحقيق ذلك.
🧠 الذكاء الاصطناعي بتفويض وطني
تُحرز المملكة العربية السعودية تقدمًا سريعًا ومدروسًا في مجال الذكاء الاصطناعي. تُشرف الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي (SDAIA) على استراتيجية وطنية متكاملة للذكاء الاصطناعي، وتُغطي هذه الاستراتيجية كل شيء بدءًا من البنية التحتية والأبحاث وصولًا إلى السياسات والأخلاقيات.
وبدلًا من ترك الابتكار للقطاع الخاص بالكامل، اختارت الحكومة المشاركة في تطوير القدرات المستقبلية، مما يضمن نشر الذكاء الاصطناعي بمسؤولية في مجالات رئيسية مثل الخدمات العامة والرعاية الصحية والخدمات اللوجستية والطاقة.
إنه نهج عملي يُمكنه أن يُقدم نموذجًا يُحتذى به للدول الأخرى التي تُواجه تحديات وفرص تقنيات الذكاء الاصطناعي الناشئة.
🏗️ بنية تحتية رقمية مُصممة للمستقبل
يُعتبر غياب البنية التحتية الرقمية القديمة من المزايا البارزة التي تتمتع بها المملكة العربية السعودية، فبدون أنظمة قديمة قابلة للتفكيك، تتمتع المملكة بحرية تصميم بنية تحتية من الجيل التالي من الصفر.
تُظهر مشاريع مثل مركز تونومس.نيوم للاتصالات كيف تبني المملكة العربية السعودية هياكل رقمية ذكية وقابلة للتطوير، مع مراعاة النمو طويل الأجل.
ومع انتشار الإنترنت بنسبة تزيد عن ٩٠٪ وسوق إنترنت الأشياء المتنامي بسرعة، تستثمر المملكة في البنية التحتية اللازمة لاقتصاد عالي الترابط قائم على الخدمات.
🏛️ التنظيم الذكي كعامل تمكين
يعتبر التنظيم الذي يُسرّع الابتكار مع الحفاظ على الثقة من أهم محفزات التحول الرقمي. خلال اجتماعاتي مع الجهات التنظيمية وقادة الشركات، لاحظتُ تركيزًا مستمرًا على صياغة بيئات سياسية متقدمة تكنولوجيًا.
منصة الفوترة الإلكترونية FatooraOnline التابعة لهيئة الزكاة والضريبة والجمارك ZATCA تُعد مثالًا بارزًا على ذلك. في Tradeshift، يسرنا دعم الشركات السعودية في تبني الفوترة الإلكترونية، ليس فقط لتلبية احتياجات الامتثال، بل لتحديث العمليات المالية على نطاق أوسع.
من واقع خبرتنا، تُعدّ هذه التحولات التنظيمية أكثر من مجرد إجراءات روتينية، بل يُمكن أن تُصبح مُحفزات للرقمنة وابتكار عمليات الأعمال. تُتيح الفوترة الإلكترونية الفورية شفافية أكبر وسيولة أفضل وأتمتة مُحسّنة، وهي مزايا قيّمة بشكل خاص للشركات الناشئة.
💳 المؤسسات المالية كشركاء استراتيجيين
تعد التكنولوجيا أمر بالغ الأهمية، لكن رأس المال يبقى وقود الابتكار المستدام. تُدرك المؤسسات المالية في المملكة العربية السعودية هذا الأمر، ويتزايد دورها في تحوّل البلاد، ليس فقط كممولين، بل كشركاء في المنظومة.
من خلال محادثاتي مع قادة المصارف، يتضح أن المؤسسات في المملكة تُفكّر بشكل استراتيجي، وتستثمر في التكنولوجيا المالية، وتدعم تطوير البنية التحتية، وتستكشف نماذج جديدة للتعاون مع الشركات الناشئة.
في Tradeshift، شهدنا بأنفسنا كيف يُمكن للجمع بين رأس المال والتكنولوجيا أن يُحدث نقلة نوعية في مسار الشركات. في الأسواق العالمية، تعاونّا مع بنوك رائدة لتمكين تمويل الفواتير، وتحرير رأس المال العامل، ودمج السيولة مباشرةً في سلاسل التوريد.
في المملكة العربية السعودية، تُعدّ فرصة توسيع نطاق هذا النوع من التأثير كبيرة، فالمنظومة مُهيأة، ليس فقط للتبني الرقمي، بل للابتكار المالي الذي يُحفّز النمو الحقيقي.
🤝 نموذج للتعاون بين القطاعين العام والخاص
لعلّ أكثر ما أدهشني خلال فترة وجودي في الرياض هو روح التعاون بين الجهات الفاعلة في القطاعين العام والخاص.
لم تكن هذه مجرد مجموعة من المبادرات المنعزلة، بل ما رأيته كان جهدًا منسقًا يجمع الجهات التنظيمية والجهات الفاعلة في المؤسسات وشركات التكنولوجيا العالمية والمؤسسات المالية حول أجندة تحوّل مشتركة.
تُسهم الشراكات التي تقودها هيئة الحكومة الرقمية، مثل تلك التي تُعقد مع الشركة السعودية لتقنية المعلومات (SITE) وQSS وغيرهما، بشكل فعّال في توسيع نطاق الذكاء الاصطناعي والرقمنة عبر القطاعات. إنه أساس متين، وتذكير بأن التغيير التحوّلي غالبًا ما يتطلب توافقًا واسع النطاق.
📈 علامات التحول بدأت تترسخ بالفعل
لا داعي للبحث طويلًا لرؤية النتائج الأولية. من المتوقع أن ينمو سوق التجارة الإلكترونية بين الشركات في المملكة العربية السعودية من ١٠ مليارات دولار أمريكي في عام ٢٠٢٣ إلى ٢٦٫٧ مليار دولار أمريكي بحلول عام ٢٠٣٠. ويعود ذلك إلى الشركات التي تتجاوز الأنظمة القديمة وتنتقل مباشرةً إلى المنصات السحابية المدعومة بالذكاء الاصطناعي.
في Tradeshift، نحن ندعم هذا التحول بنشاط، ونساعد المؤسسات على رقمنة سلاسل التوريد، وتبسيط المعاملات التجارية بين الشركات، والوصول إلى رأس المال بشكل أكثر فعالية من خلال منصة متكاملة.
وتيرة التحول مشجعة، وتعكس استعداداً للابتكار وتحولاً ثقافياً أوسع نحو نماذج الأعمال القائمة على التكنولوجيا.
🌍 نقطة مرجعية للاقتصادات الناشئة
أصبحت المملكة العربية السعودية بمثابة نقطة مرجعية لكيفية تمكن الاقتصادات الناشئة من الجمع بين الرؤية ورأس المال والتنفيذ لبناء مستقبل رقمي مرن.
من المتوقع أن تُسهم استراتيجية الحكومة الرقمية بمبلغ ١١٫٤ مليار ريال سعودي في الناتج المحلي الإجمالي، وأن تُوفر أكثر من ٢٦ ألف وظيفة بحلول عام ٢٠٣٠. ولكن، بعيدًا عن الإحصاءات، فإن ما يجري بناؤه هو اقتصاد متنوع قائم على التكنولوجيا، محوره الإنسان والشركات.
هذه ليست مجرد قصة إمكانات، بل هي دراسة حالة حقيقية في مسيرة التحول الوطني.
🚀 التزام Tradeshift طويل الأمد
بالنسبة لشركة Tradeshift، تُعدّ المملكة العربية السعودية أكثر من مجرد سوق نمو، بل هي شريك قيّم في رحلة بناء اقتصاد عالمي رقمي مترابط.
نحن ملتزمون بالعمل جنبًا إلى جنب مع الشركات والمؤسسات المالية والجهات التنظيمية السعودية لاغتنام الفرص من خلال التكنولوجيا، وتمكين التجارة الذكية، ومساعدة الشركات على النمو بثقة.
كانت المحادثات التي أجريتها في الرياض هذا العام من أكثر التجارب التي فتحت آفاقًا جديدة في مسيرتي المهنية. الطموح واضح، والمواهب موجودة، والعزيمة لا تخطئها العين. المملكة العربية السعودية تبني اقتصادًا تطلعيًا، أسرع وأكثر تماسكًا مما يتوقع الكثيرون.
إنها قصة لا تزال قيد الكتابة، ولكن ينبغي على بقية العالم متابعتها عن كثب.